اخطر ما نحنا العلماء وخطر الطعن فيهم
في الآونة الأخيرة كثر الحديث في العلماء ذماً وقدحاً ، إذ أصبح العلماء نصباً موضوعاً للناس ، فمنهم من ينصفهم ويعرف قدرهم وينزلهم المنزل اللائق بهم ، ومنهم من يرميهم بالجهل والسفه ، ومنهم من يصفهم بطلاب الدنيا ، ومنهم من يدعى بأنه لا يوجد علماء في هذا الزمان ، وأصبح كل يقول رأيه في العلماء فيرفع من شاء ويقبح من يشاء ، بلا حجة ولا برهان ، وأصبحت الأمور بلا ضابط ولا زمام وما ذلك إلا آثار ضعف الديانة والانبهار الإعلامي والجهل بمكانة العلماء ، حتى أصبح العلماء شماعة يعلق الناس عليها كل مشكلات الأمة ومصائبها ، وكأن الناس مبرءون من كل خلل ، ومعصومون من كل زلل .
لهذه الأسباب ولغيرها ولكثرة من ينتقص من علماء الأمة ، أتحدث اليوم عن العلماء وفضل العلماء وحقوقهم وخطر الطعن فيهم .
من هم العلماء وكيف نعرفهم ؟
إن العلماء هم العالمون بشرع الله ، والمتفقهون في دين الله ، والعاملون بعلمهم على هدى وبصيرة ، على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة ، وهم الداعون إلى الله بالحكمة التي وهبهم الله إياها قال تعالى ﴿ وَمَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ (البقرة/269) ـ والحكمة في الآية هي : العلم والفقه .
والعلماء ورثة الأنبياء ، والأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم ..........
والعلماء هم حجة الله في أرضه ، وهم أهل الحل والعقد في الأمة ، وهم أولوا الأمر الذي تجب طاعتهم كما قال غير واحد من السلف في تفسير قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ (النساء/59) ـ
قال مجاهد رحمه الله " هم أولوا العلم والفقه " ، والعلماء هم المؤتمنون على مصالح الأمة في دينها ودنياها ، والعلماء هم أهل الشورى الذين ترجع إليهم الأمة في شئونها ومصالحها والعلماء هم أهل الذكر الذين عناهم الله بقوله ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ (النحل/43) ـ والعلماء هم شهداء الله الذين أشهدهم الله على توحيده وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته فقال عز وجل ﴿ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ (آل عمران/18) ـ
فالعلماء هم أهل هذه الخصال ، ولا يلزم أن تتوفر كل هذه الخصال في كل عالم ، فالكمال لله تعالى .
والعلماء لا يمكن أن تخلو الأرض منهم كما يدعى بعض الناس ، إذ يقول بعض الجهلة بأنه لا يوجد عالم قدوة تطمئن القلوب إليه ، وهذه مخالفة لصريح النصوص ، فإن الله تعالى تكفل بحفظ هذا الدين ، وتكفل بحفظ طائفة من الأمة تبقى ظاهرة منصورة وهم العلماء ، وهم موجودون في كل مكان وزمان بِحَسَبه قوةً وضعفاً ، لكن لا يمكن أن يخلو الزمان من العلماء أبداً .
ليس كل من تصدر المجالس عالماً ، وليس كل من تصدر الوعظ عالماً ، ولا كل من تصدى للدعوة عالماً ، ولا كل من عرف بالعبادة عالماً ، ولا كل خطيب أو قارئ أو مفكر اشتهر بين الناس صار بذلك عالماً ، إنما العالم هو الذي حاز علوم الشريعة وشهد له العلماء بالعلم والتقوى والقدرة على الفتوى .
العلماء هم أئمة الأنام ، الذين حفظوا على الأمة دينها وعقيدتها ، وحموها من التغيير والتكدير ، الذين قال الإمام أحمد رحمه الله عنهم " يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون بنور الله أهل العمى ، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضال تائه قد هدوه "
ويقول ميمون بن مهران رحمه الله " إن مثل العالم في البلد ، كمثل عين عذبة " .
ويقول عبد الله بن أحمد بن حنبل " قلت لأبي : أي رجل كان الشافعي ، فإني سمعتك تكثر الدعاء له ، قال يا بني كان كالشمس للدنيا وكالعافية للناس " ، فهل لهذين من خلف أو منهما من عوض ؟
هكذا العلماء في الناس ، لا يعلم كثير من الناس كيفية أداء الفرائض ولا كيفية اجتناب المحارم ولا كيف يعبد الله في جميع ما يعبده خلقه إلا ببقاء العلماء ، فإذا مات العلماء تحير الناس ، ودرس العلم بموتهم وظهر الجهل .
إن التأدب مع العلماء هو تأدب مع الله جل جلاله ، وتعظيم العلماء تعظيم لشعائر الله ، وقد قال الله ﴿ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ (الحج/32) ـ
وتوقير حملة الشريعة وحماتها هو توقير للشارع عز وجل،
قال صلى الله عليه وسلم : " ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا " وفي رواية أخرى " ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا " (1)
وقال طاووس بن كيسان رحمه الله : " إن من السنة أن توقر العالم "
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله : " إن من حق العالم ألا تكثر عليه بالسؤال ، ولا تعنته في الجواب ، وألا تلح عليه إذا كسل ، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض ، ولا تفيضين له سراً ، ولا تغتابن عنده أحداً ، ولا تطلبن عثرته ، وإن زل قبلت معذرته ، وعليك أن توقره وتعظمه لله مادام يحفظ أمر الله ، ولا تجلس أمامه ، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته " .
أين نحن أيها الأخوة من كل هذا مع علمائنا ؟
أين نحن من إجلالهم وتوقيرهم ؟
أين نحن من إكرامهم وتبجيلهم ؟
أين نحن من الاعتراف بفضلهم ومكانتهم ؟
لقد تجرأ بعض الناس على العلماء ، حتى رموهم ببعض الألفاظ التي تنم عن السخرية والاستهزاء ، فهذا أحدهم يعير العلماء بأنهم فقهاء الحيض والنفاس ، وآخر يخاطبهم قائلاً : " متى تخرجون من فقه دورات المياه " ؟!! بل ربما تجد في بعض المجالس من يتكلم في العلماء أكثر من كلامهم عن اليهود والنصارى ، وما بالقوم غيرة على الحق وإنما هو الجهل العريض وهم يظنونه الفكر والعلم والتعبير عن حرية الرأي زعموا !!
والعجيب أن الذي يحط من قدر العلماء ، رجل جالس على أريكته ، ولم يقدم شيئاً لدين الله ، فهو يلمز هذا العالم ويقبح ذلك العالم ، وهو من دينه بعيد ومن شهوته قريب .
Normal 0 false false false MicrosoftInternetExplorer4
أضاع الفريضة والسنة فَتَاهَ على الإنس والجنة
كأن لنا النار من دونـــه وأفرده الله بالجنـــــــــة
يقول ابن المبارك رحمه الله : " من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه ، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته " .
إن الطاعنين في العلماء لا يضرون إلا أنفسهم ، وهم يستجلبون بفعلتهم الشنيعة أخبث الأوصاف ﴿ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ (الحجرات/11) ـ
وهم من شرار عباد الله بشهادة رسول الله صلى الله حيث قال " ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا بلى ، قال : الذين إذا رؤوا ذكر الله ، ألا أخبركم بشراركم ؟ قالوا : بلى ، قال المشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون البراء العنت " (2).
والطاعنون في العلماء مفسدون في الأرض ، وهم عرضة لحرب الله تعالى قال عنهم في حديث أبي هريرة حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب " (3).
وليعلم أنه يخشى على من تلذذ بغيبة العلماء والقدح فيهم أن يبتلى بسوء الخاتمة ، فهذا القاضي الزبيدي درس وأفتى وكثر طلابه واشتهر ذكره وذاع صيته يقول الجمال المصري عنه " إنه شاهده عند وفاته وقد اندلع لسانه واسود ، فكانوا يرون أن ذلك بسبب كثرة وقيعته في العلماء ووقيعته في شيخ الإسلام النووي رحمه الله " !
وروى عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال " لحوم العلماء مسمومة ، من شمها مرض ومن أكلها مات " .
ويقول الحافظ ابن عساكر رحمه الله " من أطلق لسانه في العلماء بالسلب ، ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب " .
ومن مخاطر الطعن في العلماء ، التسبب في تعطيل الانتفاع بعلمهم ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب الديك لأنه يدعو إلى الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة " (4) .
فكيف يستبيح قوم إطلاق ألسنتهم في ورثة الأنبياء من العلماء الذين يبلغون دين الله .
ومن شؤم الطعن في العلماء ، أن القدح فيهم يفضي إلى القدح فيما يحملونه من الشرع والدين ، فإذا خلت الساحة من أهل العلم والتُقى اتخذ الناس رؤوساً جهالاً يفتونهم بغير علم ، وإذا أفتوهم بغير علم ، فلا تسأل عن الحرمات التي تستباح ، والدم المعصوم الذي يهدر ، والعرض الذي ينتهك ، والأموال التي تنهب ، فهل يعي الطاعنون في العلماء مثل هذا البلاء ؟
إن نظرة واحدة إلى الواقع الأليم في بعض بلاد المسلمين ، وما يقع فيها من مجازر ومذابح بأيدي الأدعياء الذين استبدوا برأيهم ، وتأولوا الدين بأهوائهم ، ولم يصغوا إلى نصائح العلماء تنبئك عن مخاطر غياب العلماء أو خطر الطعن فيهم .
إن العلماء هم عقول الأمة ، والأمة التي لا تحترم عقولها غير جديرة بالبقاء .
نسأل الله الكريم الوهاب الرحيم التواب أن يحفظ علينا علماءنا العاملين ، وأن يبارك لنا في حياتهم ومماتهم ، وأن يمتعنا بعلومهم وبقائهم ، هو ولي ذلك والقادر عليه .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]