قصة نبى الله لوط عليه السلام
قصتنا اليوم مع نبي الله لوط عليه السلام , وما من نبي إلا وجاء يدعو قومه إلى التوحيد الخالص ويعالجُ معها قضيةً .. فنوحٌ عليه السلام دعا قومه للتوحيد ووقف سدّاً منيعاً ضد الأصنام والتماثيل وعبادتها لأنهم أول من تجرأ وعبدها من دون الله تعالى .. وهودٌ عليه السلام دعا قومه إلى التوحيد ووقف يصرخ أمام موجة الإسراف والبذخ والترف وصناعة البنيان التي ليس وراءها إلا إضاعة المال والجهد والأنفس .. وصالحٌ عليه السلام دعا قومه إلى التوحيد وعالج قضية نسيان النعمة وعدم شكر المنعم عليها ..
وسيأتي في قصص الأنبياء معنا أن كلَّ نبيًّ عالج قضيةً من القضايا الاجتماعية كهود وصالح , أو قضيةً سياسية كقصة موسى وفرعون , أو قضيةً اقتصادية كقصة يوسف وإنقاذه لمصر من الجوع والقحط مع ما احتوت قصته من التعرض للفتن وطرق مقاومتها والتخلص منها ، أو قضيةً أخلاقية كقصتنا اليوم مع لوط عليه السلام وهو يحارب الرذيلة في قومه ، ليجمع الأنبياء عليهم السلام بين الإسلام وقضايا المجتمع ، وبين تناول الدنيا وعدم نسيان الآخرة ، مما يدل دلالةً قاطعة على أنه لا انفصال بين الدين والدنيا ولا بين الدنيا والآخرة ... فكما أن الدين في المسجد فهو لا ينفك عن أخلاقيات الحياة ...
أيها الإخوة ... جاءت قصةُ لوط لتعالج الفطرة المنكوسة والأنفسِ المريضة التي تأبى الحلال وتستلذ الحرام ! الأنفس التي استطابت الفاحشة حتى صارت دماءً تجري في عروقها فرفضت ما أباح الله تعالى لها من مُتَعِ الحياة الطاهرة العفيفة النظيفة ...
لوط ... هو ابن هارون بن آزر .. وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام فإبراهيم عليه السلام عَمُّه نسباً ..
وُلد لوط في أورا الكلدانيين في منطقة بابل من أرض العراق ، وآمن بدعوة عمِّه إبراهيم عليه السلام ، وهاجر معه من بلاد العراق بعد أن ضاقت بهم الأرض وكَفَرَ قومُه برسالته ، فانتقلوا إلى الشام ، ثم سكن لوط شرقَ الأردن ، وكان في ذلك المكان خمسُ قُرى وهي :سدوم وعمُّورة وأَذقة وصُويم وبالِع ، وهي قربُ البحر الميت المعروفة اليوم ببحيرة لوط قبل أن يوجد هذا البحر لأنه لم يكن موجوداً قبل ذلك .
سكن لوط عليه السلام في سدوم العاصمة ، وليس له من هؤلاء القوم الذين أرسل إليهم نسب ، لأنه جاء مهاجراً إليهم ، فبَعَثَ الله لوطاً إلى أهل سدوم وما حولها من القرى فدعاهم إلى الله تعالى وإلى عبادته وحده لا شريك له .. وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر ، وكان من أعظم المنكرات التي كانوا يرتكبونها أنهم يستحبون إتيان الذكور ويكرهون إتيانَ النساء .
قال ابن كثير رحمه الله : هو شيءٌ لم يكن بنو آدم تعهدُه ولا تألفه ولا يخطر ببالهم حتى صَنَعَهُ أهل سدوم عليهم لعائن الله .
وقال عمرو بن دينار : ما زَنَا ذكرٌ على ذكر حتى كان قوم لوط .
وقال الوليد بن عبد الملك الخليفةُ الأموي : لولا أن الله عز وجل قصَّ علينا خبْرَ قومِ لوط ما ظننتُ أنَّ ذكراً يعلو ذكرا ، هذا قول الوليد بن عبد الملك قبل ألف سنة ، فكيف لو رأى وشاهد ما يفعله بعضُ الغربِ وبعض أهل الشرق من زواج الذكور بالذكور والإناث بالإناث ؟ وكيف سُنَّتْ القوانين ووُضعت الأنظمة لحمايتهم ورعايتهم وجعلوها من الحرية الشخصية ؟ بل وقف أكبر رئيس لأكبر دولة في العالم يؤيد ويبارك هذه الفاحشة وعدّها من الحرية الشخصية !! نسأل الله السلامة والعافية .....
إزاء هذه القرية البائسة والقومِ الشواذ وقف لوطٌ عليه السلام موقفاً صلباً وحازماً ضد هذه الفاحشة وضد انتشارها ، فلم يسمح لنفسه بعد أن شاهد هذا الظلم البيّن الذي أغرته النفس وباركه الشيطان أن يهاجر هرباً أو انسحاباً أو يأساً من الإصلاح ، كيف وقد بعثه الله تعالى ليهديهم ويذكرهم ، فوقف مذكراً لهم ومخوفاً من عقاب الله ومن عذاب الله ومن الاعتداء على حرماته ، فقال لهم كما أخبرنا الله " أتأتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قومٌ عادون " .. نعم أنتم قومٌ عادون ، تعديتم الحدود وبالغتم في الظلم وخالفتم الفطرة بهذا العمل الفظيع الشنيع ، وحذرهم لوط عليه السلام أنه لم يسبقهم في هذا الفعل أحدٌ من الأولين كما قال " ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين " ، وكان مما قال أيضاً " أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر " فجمعوا الشرور كلَّها بإتيان الفاحشة وقطع طريق القوافل وأخذ ما فيها من أموال وأولاد وزادوا عليها الكلام الفاحش البذيء حين يجتمعون في أنديتهم ، فركبوا كلّ المنكرات .
إن القرآن الكريم ليصفُ قوم لوط أعمق تفصيل مبيناً الشرور المتراكمة والأوثان البيِّنة والبيئة لتي فشا فيها الفساد والطغيان حتى بلغ حدّاً لا يطاق ، ولا يمكن السكوتُ عليه لأن الله تعالى لا يحب الفساد ولا المفسدين .
كان رد هؤلاء القوم ينم عن عقولهم السقيمة وقلوبهم القاسية وخوائها من أيِّ إيمانٍ وتوحيد ، لقد كان ردُّهم بالآتي :
أن يقوموا بنفي لوط وأهله من القرية.
التحدّي بإنزال العذاب عليهم إن كان لوطٌ نبي مرسل كما يزعم !!
كما أخبر الله تعالى عنهم " وما كان جوابَ قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم أناسٌ يتطهرون " سبحان الله .. هل صارت الطهارة من الفاحشة والبعدُ عنها عيباً في لوطٍ ومَنْ معه من المؤمنين حتى يخرجوا من قريتهم ؟
هل تحوَّل الإنسان الطاهر - في نظر هؤلاء القوم - إلى جريمة يجب التخلص منها ؟
ثم قالوا لِلوط عليه السلام بعدما رأوا إصراره على الإنكار عليهم وعلى فِعلهم " فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين " .. وهذا يدل على أنهم بلغوا مبلغاً عظيماً في الاستهانة بعذاب الله وغضبه ويدل على إصرارهم على فعل الفاحشة .
فلما أصرُّوا على أفعالهم الدنيئة وتمادوا في الظلم والطغيان واستمراء فعل الفاحشة التي تأباها النفوس السوية قال لوط عليه السلام عندها " رب انصرني على القوم المفسدين " ، وكأنه لم يعد يحتمل هذا القبح فيهم وفي المكان الذي يعيش فيه ، إذ كيف يطيق المؤمن الطاهر بمثل هذه الأفعال المشينة المهينة ؟
وحين أراد الله عز وجل إهلاك أولئك الخبثاء الأشرار من قوم لوط ، أرسل إليهم الملائكة ليقلبوا الأرض عليهم ، وكانت تلك القرى يزيد عددهم عن أربعة ألف إنسان كما يذكر ذلك المؤرخون .
فأقبلت الملائكة .. جبريل وإسرافيل وميكائيل وهم في طريقهم لإبراهيم عليه السلام ، فبشروه بغلامٍ حليم ، وأخبروه أيضاً أنهم ذاهبون للانتقام من قوم لوط وأن الله أمرهم بإهلاك جميع أهل القرى الذين كانوا يعملون الخبائث ، فتخوَّف إبراهيم على ابن أخيه لوط إذا قلبت الأرض عليهم أن يكون ضمن الهالكين ، فأخذ يناقشهُم ويجادِلُهم ، فأخبروه بأن الله سينَجِيِّه وأهلَه ومِنْ معه من المؤمنين إلا امرأته العجوز لأنها كانت كافرة ، وزوجة لوط عليه السلام كانت كافرة ولكنها لم تشارك معهم في الفاحشة ، لأن الله حَمَى أعراض الأنبياء فلا يقع من أزواجهم الفاحشة ولا يرتكبونها ، نعم قد يكفرْن ، ولكن لا يُخطئن في أعراضهم .
قال الله تعالى عن مجيء الملائكة لإحلال العذاب بهم في تصوير بليغ مهيب مخيف " ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهلَ هذه القرية إن أهلَها كانوا ظالمين * قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجيه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين " أي من الباقين في القرية للعذاب .
خرج الملائكة من عند إبراهيم عليه السلام وجاءوا إلى لوط ، فدخلوا عليه في صورة شبابٍ مُرْدٍ حِسان ، تُشرق وجوههم بنضارة الشباب والجَمال ، ولم يخبروه بحقيقتهم ، فظن لوط أنهم ضيوفٌ نزلوا عنده ، فرحَّب بهم ، ولكنه اغتمّ من دخولهم عليه في وقت الظهيرة ، لأنه خاف عليهم من أولئك المجرمين الأشرار ، لاسيما وأنهم في منتهى الحُسن والجمال ، لحكمةٍ أرادَها الله تعالى ، ووقع في نفسه أنه لابد أن يكون أحدٌ قد رآهم من قومه حين دخلوا عليه فيدخلون عليهم فيعتدوا على أعراضهم بالفتك ، وسرعان ما وقع ما كان يخشاه ، إذ سمع القوم بقدومهم فجاءوا يركضون إليه يريدون أن يتحرشوا بأولئك الضيوف الحسان ، فأخذ لوط عليه السلام يجادلهم بالحسن واللطف واللين لعلهم يرتدعون أو يتراجعون ، فما تراجعوا ولا استحيوا ولا ترددوا في غيّهم ، وما ذاك إلا لأنهم بلغوا أعلى مراتب الدناءة وغاب عنهم أدنى إحساس بالحياء .
ثم وقف لوط عليه السلام واعظاً وناصحاً مقدِّماً لهم الحلال الطيب على الحرام الخبيث " هؤلاء بناتي هن أطهر لكم " فتزوجوا منهم . فأبوا عليه إلا إتيان هؤلاء الأضياف ، فازداد لوطاً هماً وغمّاً وحزناً ..
فقال أسفاً : يا ليت لي قوةً في قومي كي أمنعهم .. ولكن هيهات .. إنه مهاجر من أرض العراق إلى الشام ، وليس له في الشام عشيرةً يتقوى بهم أو يحتمي !
ولما شاهد الملائكة الأضياف ما بلغ بلوط عليه السلام من الخوف عليهم ، .. صرَّحوا بحقيقتهم ، وأنهم ملائكة وليسوا بشراً ، جاءوا لإيقاع الهلاك والعذاب بهؤلاء المجرمين ، وما مجيئهم بهذه الصورة من الحسن والجمال إلا تأكيداً وشهادةً بيّنةً واضحة على الإثم القبيح ، فسُرِّى عن لوطٍ عليه السلام ، وشعر بقوة الله تعالى الغالبة ، وأنَّ الله لا يُضيِّع رسلَه ، وأن موعد الهلاك قد اقترب وحان العذابُ على القوم المفسدين ، قال تعالى " ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يومٌ عصيب * وجاءه قومه يهرعون إليه ومِنْ قبلُ كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزونِ في ضيفي أليس منكم رجل رشيد * قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد * قال لو أن لي بكم قوةً أو آوي إلى ركن شديد * قالوا يا لوط إنا رسلَ ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتك إنها مصيبُها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب "
اطمأن لوط على سلامة ضيوفه من الأذى ، وترَكَ قومَه في ضجيجهم وجدالهم ، وأخذ يستعد للخروج من القرية قبل أن يدركه الصباح ، وحين هجم القومُ على بيت لوط ليأخذوا الأضياف بالقوة طمس الله على أعينهم فلم يبصروا ولم يهتدوا كما قال الله تعالى " ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر "
وما إن أشرقت شمسُ اليوم التالي حتى كانت القرى بمن فيها خراباً ودماراً ، وقلب الله بهم الأرض فجعل عاليها سافلها ، إذ رفع جبريل عليه السلام القرى حتى بلغ بهم السماء حتى إن الملائكة في السماء الدنيا سمعت صوت صياحهم ونباح كلابهم ، فجعل عاليها سافلها ، فنكَّسها إلى الأرض فغاصت فيها حتى تفجَّر الماء ، فغرقوا في الماء فهم اليوم تحت البحر الميت كما أثبت ذلك العلماء من المعاصرين ، حيث وجدوا آثاراً لمساكنهم ، ثم بعد تنكيسهم أرسل عليهم صيحة من السماء ، ثم أمطر عليهم حجارةً من سجيلٍ منضود مسوَّمة عند ربك ، ومن هنا قال العلماء : أن من أتى بعملِ قوم لوط أنه يرمى من جبل أو شاهق ثم يُتبع بالحجارة كما فعل الله تعالى بقوم لوط ، ليس لهم جزاء إلا ذلك .
قال ابن كثير رحمه الله : وجعل الله مكان تلك البلاد بَحْرةً منتنة لا يُنفع بمائها ولا بما حولها من الأرضِ المتاخمة لفنائها لرداءتها ودناءتها ، فصارت عبرة ومَثَلَه وعِظةً وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعدله وانتقامه ، فمن خالف أمره وكذَّب رسلَه واتبع هواه وعصى مولاه وتمادى في غيّه وظلمه بعد أنْ جاءته البيّنات ، فلا يترقب إلا العقاب العادل والعذاب الأليم .
أيها الإخوة ... هذه قصة لوطٍ عليه السلام .. وتلك هي عاقبة أهل الفواحش والآثام ، فهل يتفكر السادرون من الغرب والشرق في الغي والضلال ، والمطبلون لهم واللاهثون خلفهم مِنْ عاقبة مخالفة أمرِ الله وبطشه وعذابه ، إذ ليست القضية هي ألم العذاب بقدر ما هي مخالفة الخالق سبحانه وتعالى ومجانبة الفطرة السليمة ، ثم كيف يرضى المسلمون أن تُمرّر القوانين المطالِبة بحرية العلاقات بين الذكور وبين الإناث كيفما اتفق في ديار المسلمين أو غير المسلمين ؟ وهل جاء الإسلام إلا بإرساء العدل وقانون الأخلاق الذي ينظّم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان ؟
إنّ مهمة المسلمين اليوم ، علماؤهم ودعاتهم وعامتهم ، أن يقفوا سدّاً منيعاً لكل ما يُراد تقنينُه من حياة بهيمية أقرب لحياة الحيوانات في زرائبها ، مع العلم أن البهائم تأبى الفحش فيما بينها ، قال عمرو بن ميمون رضي الله عنه : "رأيت في الجاهلية قرْدةً اجتمع عليها قِرَدةٌ قد زنت فَرَجموها ، فَرجمتُها معهم " رواه البخاري ( 3849 ) وما ذلك إلا لأن الحيوان يأنف من فعل الفاحشة ولا يقبلها في محيطه الذي يعيش فيه ، فكيف بالإنسان !! الذي يستميت بعض اليهود وأذنابهم في إيقاعه في وحل الفاحشة من خلال وسائل الإعلام المختلفة لينجحوا في الآتي :
أن ينجحوا في صرف المسلمين عن دينهم.
وأن يقضي شباب المسلمين حياته اليومية في تحقيق شهواته ويتناسوا عدوّهم الحقيقي.
وأن تكون الطرق المؤدية لنهب ثروات المسلمين ميسورة بلا مقاومة منهم لانشغالهم بشهوات نفوسهم من خلال نشر ثقافة الفاحشة في كل وسيلةٍ متاحة !!
نسأل الله تعالى أن يعافينا وينجينا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن ...
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]